الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال البيضاوي: {بسم الله الرحمن الرحيم}.{طسم تِلْكَ ءايَاتُ الكتاب المبين}.{نَتْلُو عَلَيْكَ} نقرؤه بقراءة جبريل، ويجوز أن يكون بمعنى ننزله مجازًا. {مِن نَّبَإِ موسى وَفِرْعَوْنَ} بعض نبئهما مفعول {نتلو}. {بالحق} محقين. {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} لأنهم المنتفعون به.{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ في الارض} استئناف {مبين} لذلك البعض، والأرض أرض مصر. {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} فرقًا يشيعونه فيما يريد، أو يشيع بعضهم بعضًا في طاعته أو أصنافًا في استخدامه استعمل كل صنف في عمل، أو أحزابًا بأن أغرى بينهم العداوة كي لا يتفقوا عليه. {يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مّنْهُمْ} وهم بنو إسرائيل، والجملة حال من فاعل {جَعَلَ} أو صفة ل {شِيَعًا} أو استئناف، وقوله: {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} بدل منها، كان ذلك لأن كاهنًا قال له يولد مولود في بني إسرائيل يذهب ملكك على يده، وذلك كان من غاية حمقه فإنه لو صدق لم يندفع بالقتل وإن كذب فما وجهه. {إِنَّهُ كَانَ مِنَ المفسدين} فلذلك اجترأ على قتل خلق كثير من أولاد الأنبياء لتخيل فاسد.{وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذين استضعفوا في الأرض} أن نتفضل عليهم بإنقاذهم من بأسه، {وَنُرِيدُ} حكاية حال ماضية معطوفة على {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ في الأرض} من حيث إنهما واقعان تفسير لل {نَبَأَ} أو حال من {يَسْتَضْعِفُ} ولا يلزم من مقارنة الإِرادة للاستضعاف مقارنة المراد له، لجواز أن يكون تعلق الإِرادة به حينئذ تعلقًا استقباليًا مع أن منة الله بخلاصهم لما كانت قريبة الوقوع منه جاز أن تجري مجرى المقارن. {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} مقدمين في أمر الدين. {وَنَجْعَلَهُمُ الوارثين} لما كان في ملك فرعون وقومه.{وَنُمَكّنَ لَهُمْ في الأرض} أرض مصر والشام، وأصل التمكين أن تجعل للشيء مكانًا يتمكن فيه ثم استعير للتسليط. وإِطلاق الأمن. {وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وهامان وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ} من بني إسرائيل. {مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ} من ذهاب ملكهم وهلاكهم على يد مولود منهم. وقرأ حمزة والكسائي {ويري} بالياء و{إِنَّ فِرْعَوْنَ وهامان وَجُنُودَهُمَا} بالرفع.{وَأَوْحَيْنَا إلى أُمّ موسى} بإلهام أو رؤيا. {أَنْ أَرْضِعِيهِ} ما أمكنك إخفاؤه. {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} بأن يحس به. {فَأَلْقِيهِ في اليم} في البحر يريد النيل. {وَلاَ تَخَافِى} عليه ضيعة ولا شدة. {وَلاَ تَحْزَنِى} لفراقه. {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ} عن قريب بحيث تأمنين عليه. {وجاعلوه مِنَ المرسلين} روي أنها لما ضر بها الطلق دعت قابلة من الموكلات بحبالى بني إسرائيل فعالجتها، فلما وقع موسى على الأرض هالها نور بين عينيه وارتعشت مفاصلها ودخل حبه في قلبها بحيث منعها من السعاية، فأرضعته ثلاثة أشهر ثم ألح فرعون في طلب المواليد واجتهد العيون في تفحصها فأخذت له تابوتًا فقذفته في النيل.{فالتقطه ءالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} تعليل لالتقاطهم إياه بما هو عاقبته ومؤداه تشبيهًا له بالغرض الحامل عليه. وقرأ حمزة والكسائي {وَحَزَنًا}. {إِنَّ فِرْعَوْنَ وهامان وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خاطئين} في كل شيء فليس ببدع منهم أن قتلوا ألوفًا لأجله ثم أخذوه يربونه ليكبر ويفعل بهم ما كانوا يحذرون، أو مذنبين فعاقبهم الله تعالى بأن ربى عدوهم على أيديهم، فالجملة اعتراض لتأكيد خطئهم أو لبيان الموجب لما ابتلوا به، وقرىء {خاطين} تخفيف {خاطئين} أو {خاطين} الصواب إلى الخطأ.{وَقَالَتِ امرأت فِرْعَوْنَ} أي لفرعون حين أخرجته من التابوت. {قُرَّتُ عَيْنٍ لّى وَلَكَ} هو قرة عين لنا لأنهما لما رأياه أخرج من التابوت أحباه، أو لأنه كانت له ابنة برصاء وعالجها الأطباء بريق حيوان بحري يشبه الإِنسان فلطخت برصها بريقه فبرئت، وفي الحديث أنه قال: لك لا لي. ولو قال هو لي كما هو لك لهداه الله كما هداها. {لاَ تَقْتُلُوهُ} خطاب بلفظ الجمع للتعظيم. {عسى أَن يَنفَعَنَا} فإن فيه مخايل اليمن ودلائل النفع، وذلك لما رأت من نور بين عينيه وارتضاعه إبهامه لبنًا وبرء البرصاء بريقه. {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} أو نتبناه فإنه أهل له. {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} حال من الملتقطين أو من القائلة والمقول له أي وهم لا يشعرون أنهم على الخطأ في التقاطه أو في طمع النفع منه والتبني له، أو من أحد ضميري نتخذه على أن الضمير للناس أي {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أنه لغيرنا وقد تبنيناه.{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ موسى فَارِغًا} صفرًا من العقل لما دهمها من الخوف والحيرة حين سمعت بوقوعه في يد فرعون كقوله تعالى: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} أي خلاء لا عقول فيها، ويؤيده أنه قرىء {فرغًا} من قولهم دماؤهم بينهم فرغ أي هدر، أو من الهم لفرط وثوقها بوعد الله تعالى أو سماعها أن فرعون عطف عليه وتبناه. {إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ} أنها كادت لتظهر بموسى أي بأمره وقصته من فرط الضجر أو الفرح لتبنيه. {لَوْلا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا} بالصبر والثبات. {لِتَكُونَ مِنَ المؤمنين} من المصدقين بوعد الله، أو من الواثقين بحفظه لا بتبني فرعون وعطفه. وقرىء موسى إجراء للضمة في جوار الواو مجرى ضمتها في استدعاء همزها همز واو وجوه وهو علة الربط، وجواب {لَوْلاَ} محذوف دل عليه ما قبله.{وَقَالَتْ لأُخْتِهِ} مريم. {قُصّيهِ} اتبعي أثره وتتبعي خبره. {فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ} عن بعد وقرىء {عن جانب} و{عن جنب} وهو بمعناه. {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أنها تقص أو أنها أخته.{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المراضع} ومنعناه أن يرتضع من المرضعات، جمع مرضع أو مرضع وهو الرضاع، أو موضعه يعني الثدي. {مِن قَبْلُ} من قبل قصها أثره. {فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ على أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} لأجلكم. {وَهُمْ لَهُ ناصحون} لا يقصرون في إرضاعه وتربيته، روي أن هامان لما سمعه قال: إنها لتعرفه وأهله فخذوها حتى تخبر بحاله، فقالت: إنما أردت وهم للملك ناصحون، فأمرها فرعون أن تأتي بمن يكفله فأتت بأمها وموسى على يد فرعون يبكي وهو يعلله، فلما وجد ريحها استأنس والتقم ثديها فقال لها: من أنت منه فقد أبى كل ثدي إلا ثديك؟ فقالت: إني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا أوتى بصبي إلا قبلني فدفعه إليها وأجرى عليها، فرجعت به إلى بيتها من يومها، وهو قوله تعالى: {فرددناه إلى أُمّهِ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا} بولدها.{وَلاَ تَحْزَنْ} بفراقه. {وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ} علم مشاهدة. {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أن وعده حق فيرتابون فيه، أو أن الغرض الأصلي من الرد علمها بذلك وما سواه تبع، وفيه تعريض بما فرط منها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون.{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} مبلغه الذي لا يزيد عليه نشؤه وذلك من ثلاثين إلى أربعين سنة فإن العقل يكمل حينئذ. وروي أنه لم يبعث نبي إلا على رأس الأربعين سنة. {واستوى} قده أو عقله. {آتَيْنَاهُ حُكْمًا} أي نبوة. {وَعِلْمًا} بالدين، أو علم الحكماء والعلماء وسمتهم قبل استنبائه، فلا يقول ولا يفعل ما يستجهل فيه، وهو أوفق لنظم القصة لأن الاستنباء بعد الهجرة في المراجعة. {وكذلك} ومثل ذلك الذي فعلنا بموسى وأمه. {نَجْزِى المحسنين} على إحسانهم.{وَدَخَلَ المدينة} ودخل مصر آتيًا من قصر فرعون وقيل منف أو حائين، أو عين شمس من نواحيها. {على حِينِ غَفْلَةٍ مّنْ أَهْلِهَا} في وقت لا يعتاد دخولها ولا يتوقعونه فيه، قيل كان وقت القيلولة وقيل بين العشاءين. {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هذا مِن شِيعَتِهِ وهذا مِنْ عَدُوّهِ} أحدهما ممن شايعه على دينه وهم بنو إسرائيل والآخر من مخالفيه وهم القبط، والإِشارة على الحكاية. {فاستغاثه الذي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الذى} هو {مِنْ عَدُوّهِ} فسأله أن يغيثه بالإِعانة ولذلك عدى ب {على} وقرىء {استعانه} {فَوَكَزَهُ موسى} فضرب القبطي بجمع كفه، وقرىء فلكزه أي فضرب به صدره. {فقضى عَلَيْهِ} فقتله وأصله فأنهى حياته من قوله: {وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر} {قَالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشيطان} لأنه لم يؤمر بقتل الكفار أو لأنه كان مأمونًا فيهم فلم يكن له اغتيالهم، ولا يقدح ذلك في عصمته لكونه خطأ، وإنما عده من عمل الشيطان وسماه ظلمًا واستغفر منه على عادتهم في استعظام محقرات فرطت منهم. {إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ} ظاهر العداوة.{قَالَ رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِى} بقتله. {فاغفر لِى} ذنبي. {فَغَفَرَ لَهُ} لاستغفاره. {إِنَّهُ هُوَ الغفور} لذنوب عباده. {الرحيم} بهم.{قَالَ رَبّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} قسم محذوف الجواب أي أقسم بإنعامك علي بالمغفرة وغيرها لأتوبن. {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لّلْمُجْرِمِينَ} أو استعطاف أي بحق إنعامك على أعصمني فلن أكون معينًا لمن أدت معاونته إلى جرم. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنه لم يستثن فابتلي به مرة أخرى، وقيل معناه بما أنعمت علي من القوة أعين أولياءك فلن أستعملها في مظاهرة أعدائك.{فَأَصْبَحَ في المدينة خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} يترقب الاستقادة. {فَإِذَا الذي استنصره بالأمس يَسْتَصْرِخُهُ} يستغيثه مشتق من الصراخ.{قَالَ لَهُ موسى إِنَّكَ لَغَوِىٌّ مُّبِينٌ} بين الغواية لأنك تسببت لقتل رجل وتقاتل آخر.{فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بالذى هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا} لموسى والإِسرائيلي لأنه لم يكن على دينهما ولأن القبط كانوا أعداء لبني إسرائيل. {قَالَ يَا موسى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بالأمس} قاله الإِسرائيلي لأنه لما سماه غويًا ظن أنه يبطش عليه، أو القبطي وكأنه توهم من قوله أنه الذي قتل القبطي بالأمس لهذا الإسرائيلي. {إِن تُرِيدُ} ما تريد. {إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّارًا في الأرض} تطاول على الناس ولا تنظر في العواقب. {وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ المصلحين} بين الناس فتدفع التخاصم بالتي هي أحسن، ولما قال هذا انتشر الحديث وارتقى إلى فرعون وملئه وهموا بقتله فخرج مؤمن آل فرعون وهو ابن عمه ليخبره كما قال تعالى: {وَجَاء رَجُلٌ مّنْ أَقْصَى المدينة يسعى} يسرع صفة رجل، أو حال منه إذا جعل من أقصى المدينة صفة له لا صلة لجاء لأن تخصيصه بها يلحقه بالمعارف. {قَالَ يَا موسى إِنَّ الملأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} يتشاورون بسببك، وإنما سمي التشاور ائتمارًا لأن كلًا من المتشاورين يأمر الآخر ويأتمر. {فاخرج إِنّى لَكَ مِنَ الناصحين} اللام للبيان وليس صلة ل {الناصحين} لأن معمول الصلة لا يتقدم الموصول.{فَخَرَجَ مِنْهَا} من المدينة. {خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} لحوق طالب. {قَالَ رَبّ نَجّنِي مِنَ القوم الظالمين} خلصني منهم واحفظني من لحوقهم.{وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ} قبالة مدين قرية شعيب، سميت باسم مدين بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام ولم تكن في سلطان فرعون وكان بينها وبين مصر مسيرة ثمان. {قَالَ عسى رَبّى أَن يَهْدِيَنِى سَوَاء السبيل} توكلًا على الله وحسن ظن به، وكان لا يعرف الطريق فعن له ثلاث طرق فأخذ في أوسطها وجاء الطلاب عقيبه فأخذوا في الآخرين.{وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ} وصل إليه وهو بئر كانوا يسقون منها. {وَجَدَ عَلَيْهِ} وجد فوق شفيرها. {أُمَّةً مّنَ الناس} جماعة كثيرة مختلفين. {يُسْقَوْنَ} مواشيهم. {وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ} في مكان أسفل من مكانهم. {امرأتين تَذُودَانِ} تمنعان أغنامهما عن الماء لئلا تختلط بأغنامهم. {قَالَ مَا خَطْبُكُمَا} ما شأنكما تذودان. {قَالَتَا لاَ نَسْقِى حتى يُصْدِرَ الرعاء} تصرف الرعاة مواشيهم عن الماء حذرًا عن مزاحمة الرجال، وحذف المفعول لأن الغرض هو بيان ما يدل على عفتهما ويدعوه إلى السقي لهما ثم دونه. وقرأ أبو عمرو وابن عامر {يُصْدِرَ} أي ينصرف. وقرىء {الرعاء} بالضم وهو اسم جمع كالرخال. {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} كبير السن لا يستطيع أن يخرج للسقي فيرسلنا اضطرارًا.
|